“أحوال” تجول في معارض وشركات السيارات… هذا ما ينتظرك في حال أردت شراء سيارة
الدفع نقداً مع خصم وإمّا شيك مصرفي بثلاثة أضعاف ثمنها
هذا البلد لم يعد يشبه نفسه. شوارعه تتغّير، ملامحه تتبدّل. المشهد العام يسوده القنوط وضيق ذات اليد.
كل الأمكان التي كانت معلماً سقطت وغابت بالرغم من صمودها في عز الحرب ومقاومتها حتى النفس الاخير لكن هذا العام قضى على كل الانفاس حتى التي كنا نظن أنّ انتزاعها صعب.
شوارع بيروت تعطي المدينة دلالات اقتصادية معينة. فهذا شارع للمصارف وذاك شارع لبيع الملابس وهنا شارع شعبي تشتري وتبيع ما تشاء، وهناك شارع لبيع السيارات. وهذا الشارع هو موضوعنا اليوم.
عندما تمرّ على تقاطع كنيسة مار مخايل باتجاه الطيونة كان يطالعك شارع من معارض السيارات الفخمة حيث حركة البيع والشراء لا تهدأ والباعة يستوقفون المارة ويسألون “سيارتك للبيع”، وكأن المسألة بهذه البساطة تبيع وتشتري سيارة وكأنك تتبضع أشياءك اليومية.
هذا كان بالأمس القريب جداً أيام العز والبحبوحة. هذا الأمس الذي بات بعيداً جدا، بُعد الفقر عن الثراء أو بُعد الحلم عن الواقع.
أمس يترك في ناسه الحسرة على حالهم والصدمة فيما ألت اليه مصائرهم و”مصرياتهم”. هذا الشارع غاب بتجاره وسياراته وناسه الحالمين باقتناء سيارة.
ولأن فقر الحال واقع يمشط كل الناس وكل بقاع الوطن بمشط واحد اسنانه مرّة وتسريحته مدقعة. تجد كل الشوارع تتشاطر اللقمة المرَة والمصير المفتوح على النهايات السيئة.
-معارض السيارات فارغة من الزبائن
بوليفار سن الفيل باتجاه الجديدة، هذا الأوتوستراد المسيَج بمعارض السيارات بات اليوم مقفراً بعد أن كان واجهة لمن يريد أن يتفرّج على الرخاء او يحلم باقتناء سيارة الأحلام. كل هذا بات مستعصياً وخارج سياق حياة اللبناني الذي كان ينعم بمقومات باتت من الماضي السحيق.
جميل غصن تاجر سيارات يقع معرضه على تقاطع مار مخايل يقول:” لقد تبدل حالنا وتبدل حال الناس من حولنا. لم يعد شيء كما كان. كنا نستورد السيارات من الخارج وهذا انتهى. السيارة التي سعرها 12 الف دولار نتمنى أن يشتريها زبون بـ 8 الاف دولار ونكون راضين باسترداد بعضاً من مالنا.”.
ويتابع “بات من الصعب على أي لبناني ان يغيّر سيارته أو يشتري سيارة اليوم. فالموظف الذي كان يقبض راتباً قدره مليون ونصف ليرة اي ما يعادل الالف دولار كان بإمكانه ان يقسط سيارة منذ عام، هذا الراتب بات اليوم لا يساوي اكثر من 200دولار ولا يكفيه ثمن خبز. وانا كتاجر سيارات أعتبر أن مهنتي انتهت. افضل ما يمكن ان اقوم به هو شراء سيارة من هنا او هناك من السوق اللبناني وبيعها بالعملة اللبنانية ولو أردت أن أقوم ببعض أمور الصّيانة البسيطة لهذه السيارة بات مستحيلاً لأنّ قطع الغيار من فرامل وزيت واكسسوار كلها بالدولار. فلا الناس قادرة على شراء سيارة ولا نحن قادرون على العمل لهذا السبب بات المعرض فارغاً. سوق السيارات مات نهائياً ومن أتعس الأسواق”.
ويشرح غصن كيفية بيع السيارات في معرضه: “إذا كانت السيارة من السوق اللبناني أضيف عليها بعض الربح وأبيعها بالعملة اللبنانية. اما اذا كانت أجنبية فأقبل أن يدفع لي جزءاً من سعرها نقداُ بالدولار والجزء الأخر شيك من البنك شرط أن يكون هذا الشيك هو ضعف الثمن المتبقي من ثمن السيارة. مجالنا بات خاسراً، إذ علينا أن ندفع ثمن إيجار الأرض التي يقع عليها المعرض بالدولار وهذا بات عبئاً لا نقدر عليه، من هنا الكثير من المعارض أقفلت وأنا على طريق الاقفال.”
يتهم غصن الطبقة السياسية بتردي الاوضاع ويصفها بالفاسدة والخائنة والهادرة للمال العام وهي السبب بتدهور أوضاع اللبناني الذي بات منتهى همه اليوم كسب لقمة عيشه. فنحن كنا طبقة من الناس المقتدرين اليوم بتنا شحاذين. ونحن لا نريد شيئا من الدولة سوى ان تفك البنوك قبضتها عن مالنا وحينها نقدر ان نعيش بكرامة. هناك تجار كبار في هذه المصلحة انتهوا، حاولوا استيراد بعض السيارات ثم ردوها وتراجعوا عن الفكرة.
-إدفع نقداً واحصل على خصم ربع ثمن السيارة
بعد التقصّي وكثرة الأسئلة حول طريقة بيع وشراء السيارات، بات مؤكداً أنّ التاجر يهمه أن يقبض بالدولار نقدي ثمن اي سيارة وهنا يمكن أن يخفّض سعرها لصالح المشتري طالما أنه يدفع نقداً بالعملة الصعبة.
أما في حال أردت أن تشتري سيارة من خلال شيكاً بنكياً، فهنا تختلف المسألة بين تاجر وأخر، والشاطر بشطارته فهناك من يريد الشيك ضعف ثمن السيارة واخر يريد شيك بثلاثة اضعاف، انها معادلة خاضعة للجدل فلا شيء يقوى على ملمس الدولار او ما يعرف بـ fresh money.
أين ذهبت كل السيّارات التي كانت في المعارض؟
يقول صاحب معرض ديراني للسيارات نحن نبيع بخسارة :” نبيع طمعاً باسترداد رأس مالنا ولا ننجح. وأنا شخصيا اقبل ان اقبض جزءاً من ثمن السيارة “كاش” والمتبقي من ثمنها بشيك شرط أن يكون هذا الشيك ضعف الثمن المتبقي.”.
ويتابع ” وما قضى علينا نهائياً هو التجارة بالشيكات المصرفية الى جانب أنّنا دفعنا جمرك هذه السيارات بالدولار الذي هو رأسمالنا الأساسي وأقل سيارة جمركها 5 الاف دولار. هذا المبلغ الذي خسرناه هو اليوم يساوي سبعة ملايين ونصف ليرة لبنانية في حين أننا دفعناه دولار في حينها.”.
ويضيف ديراني “نحن اليوم لم نعد نستورد سيارات لأنه لا يوجد fresh money ولا يوجد سوق وقدرة شرائية، فما معنى ان استورد سيارة وأتركها تهترئ في الشمس؟”.
ويضيف ديراني “70 بالمئة من معارض السيارات تقفل والباقي على طريق الاقفال. خاصة وأنّ السوق مات كلياً ولا احد يشتري سيارة إلا من يحتاجها. فمن كان يشتري سيارة على سبيل المفاخرة لم يعد يفعل ذلك، ويفضل إبقاء ماله في منزله”.
نسأل ديراني اين ذهبت كل هذه السيارات التي كانت في المعارض هل بيعت كلها بالرغم من الأزمة الاقتصادية؟
يقول “هذا السوق يعاني النزف والاضمحلال منذ عام 2017 وكل عام كنا نتراجع إلى الوراء، ومن كان يستورد 100 سيارة قبل سنوات، صار يستورد 20 سيارة، أما من كان يستورد 30 سيارة بات يستورد بعد عام 2017 عشر سيارات إلى أن جاء عام 2020 وتوقفنا عن الاستيراد كلياً، ولحقت بنا المصائب من إقفال وضرائب و tva ومصادرة البنوك أموالنا. مهنتنا على طريق الزوال”.
تفاوت كبير في سعر السيارة بين الشيك والنقدي
لم يعد أمام تجار السيارات حياة في تجارتهم إن لم يفتح البنك المركزي أمامهم الحوالات الى الخارج، ويعطيهم الدولار الذي يحتاجون إليه في تجارتهم.
هذا ما يقوله طوني بشور صاحب معرض بشور في منطقة سن الفيل ويضيف:” كنا نبيع السيارة التي نشتريها بـ 20 الف دولار بـ 22 الف. وكنا نحقق الربح. اليوم هذه السيارة في حال أراد الزبون شراءها من خلال الشيك، عليه أن يدفع الشيك ثلاثة اضعاف ثمن السيارة. وانا شخصيا اقبل ان اقبض كاش 30 بالمئة من سعرها والباقي اخذ به شيك بثلاثة اضعاف الثمن المتبقي ومع هذا نقع في خسارة، لأن أي شيك لا يساوي ثلث قيمته وبهذا المعنى السيارة باتت غالية جدا على المشتري ولم تعد بمتناوله ولم يعد امامنا اي مخرج كتجار سوى الإفراج عن اموالنا في البنوك.”.
ويتابع “نحن القطاع الأكثر تضرراً لأنّ تجارتنا توقفت كلياً مع المبالغ الكبيرة التي نريدها. أنا كتاجر سيارات أحتاج إلى مبالغ كبيرة لأستورد سيارات والمصارف تحتجز أموالنا”.
ويقول بشور:” الشعب اللبناني لم تعد من أولوياته شراء سيارة فهذا بات مستحيلاً وخارج امكانياته، واكثر ما يهمه ان يأكل ويشرب. بل بات يصلّي كي لا تتعطّل سيارته لأن تصليحها بات مكلفاً جداً… مهنتنا luxury انتهت. فهذه المعارض التي فرغت من سياراتها إما أن اصحابها باعوها لأنّ لديهم التزامات مالية او “ضبوها” في المعارض”.
شركة Mitsubishi لها شروطها في البيع
ماذا عن الميسورين؟ هل لا زالوا يشترون سيارات؟
يجيب طوني بشور أن حتى الميسورين لا يشترون سيارات، وأن من معه مالاً في بيته لن يشتري لابنه سيارة بـ 30 الف دولار، بل يفضّل أن يحتفظ بالمبلغ ويصرفه على أمور أهم.
لموظف المبيعات في شركة ميتسوبيشي رأي آخر، إذ قال رداً على سؤال “أحوال” حول عملية الييع أن ثمة من يشتري سيارة جديدة من الشركة ويدفع شيكاً بمئة الف دولار علما ثمن السيارة 29 الف دولار.
كيف يفكر زبون يدفع ثمن السيارة ثلاثة أضعاف ثمنها الحقيقي؟
يجيب الموظف “هذا ممكن ويحدث لأن الزبون يفضّل إنقاذ ماله المحتجز في البنك بأي طريقة، ويفضّل الخسارة على أن يبقي ماله مجهول المصير داخل البنك”.
قيمة الشيكات المصرفية في السوق هي ثلث قيمتها الحقيقيّة، والزبون يفضّل اليوم سيارات الدفع الرباعي، أما السيارات الصغيرة التي كان زبائنها من متوسطي الحال، فلم يعد يرغب أحد باقتنائها لأنّ زبائنها فقدوا قدرتهم على شرائها.
شركة KIA شروط صعبة للحصول على سيارة
التقهقر في سوق السيارات عام سواء في المعارض التي تبيع سيارات مستعملة او في الشركات الكبيرة.
فشركة كيا kia التي تعتبر صاحبة أكبر سوق تجاري لبيع السيارات في لبنان، والتي كانت تضع تسهيلات كبيرة في البيع، لم تعد تعرض في صالتها الكثير من الموديلات وبات لديها استراتجية معينة في البيع.
فعلى الزبون ان يدفع نقداً وكاش ثمن السيارة موديل السنة، أو نصف ثمن السيارة كاش موديل 2018 والنصف الآخر شيك بمبلغ مضروب بثلاثة أضعاف.
إذاً شراء السيارة بات حلماً صعب المنال، لا بنك يمنحك قرضاً ولا شركة تسهّل لك الدفع، ولا مصرفك يعطيك مالك المحجوز… تجارة السيارات ينتظرها مستقبل مجهول كما كل القطاعات في بلد ينوء تحت رزح أثقل أزمة اقتصادية في تاريخه.
كمال طنوس